Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


أحمد معلا بين ألم الماضي وغربة اليوم  

 

على مرمى البصر تتوزع مراياه في كل مكان لينقل لنا أحمد معلا أشكال هذا الواقع، مراياه صغيرة غريبة تعكس لنا من كل زاوية ما يقع أمامها.
        وفجأة تتوقف الحركة داخل المرايا ويتحول العالم فجأة إلى ألوان وأشكال غريبة ليست أغرب منا في هذا العالم. فتبدو راقصات بأيد صغيرة متجهة إلى أعلى. نساء متضرعات إلى خلاص ما، بشر مقيدون إلى بعضهم في تجمع قد يبدو غريباً وأماكن مألوفة لدينا تجمعت في إطار العمل فوق بعضها بجوار بعضها، جمعت عالماً كبيراً مترامي الأطراف في لوحة.
        وكأنه الحلم نرى هذا الواقع يتجسد صوراً أمامنا. وفي غياب للتفاصيل الدقيقة في الوجوه والمكان نجد تفاصيلاً من الهموم على ساحة اللوحة مقسمة إلى أجزاء صغيرة. فسيفساء من القلق والخوف والتعب والأمل الآتي وكأنه المعجزة. تبدو لوحات أحمد معلا سؤالاًُ غامضاً يتكرر في إطار العمل الواحد عشرات المرات. وفي مجموعة أعماله آلاف المرات..
        ويكرر كثيراً وفي تكراره يبحث عن شيء جديد، يدخل في الأقبية. يخرج إلى الشارع، يقفز في النهر، يتسلق شجرة، يشارك المنشدين أناشيدهم القديمة والمصلين صلواتهم والباحثين أبداً عن الأسرار بحثهم، يدخل في أحلام النائمين وفي صحوة المبدعين. يبحث عن أفق يقود ذاكرته المتعلقة بالهموم – أطناناً من الهموم – نحو جزيرة لا يموت فيها النخل ولا يحني رأسه إلا مطمئناً.. وفجأة نجد أنفسنا قد توقفنا أمام لوحته "جنازة نخلة".
-       هل تراك تعرف كيف تموت نخلة..؟ وفي أي حزن سوف تشيع..؟
-   وأي مشهد مؤلم في صحرائنا. حيث كل الأشكال تنحني على بعضها أن ترى النخل أيضاً ممدداً وقد علا أخضر أوراقه الشحوب...؟
وفي لوحته "ما حدث صباحاً" نجد سقوطاً آخر للنخل، ولا سماء. لا طريق، سطوح مستطيلة تدور فيها الحياة، والأشكال مقيدة داخل إطارات صغيرة، وداخل الإطارات بشر مقيدون.
كما يمكننا أن نرى هذا أيضاً في لوحته "رفض – لوحة المعرض السنوي" ولوحة "طمنونا عنكم" التي نشاهد فيها داخل الإطارات والسطوح ألواناً باردة وألواناً حيادية. ولا حياة، تشتت. وذاكرة متعبة ليست تهدأ عند أحمد معلا. وفي "البحث عن ماء جديد" و "شجرتين" يتعرض أحمد معلا لحياتنا وتراثنا حيث يرى فيهما طقساً احتفالياً وفي هذا الطقس ينام موروث طويل من الألم والمرارة نعيشه منذ قرون. مثل حكاية يرويها لنا الفنان عن عالم الشرق في باريس. حيث للحلم مساحة واسعة من الشرود. وللألم لون أحمر وفي المساء وقت طويل للتأمل والذكرى. ويرسم أحمد لوحته "حديث مسائي" وبعد هذا. قد يقول أحدهم وهو ينظر إلى أعمال أحمد معلا داخل الإطار الخشبي الخارجي فلا يرى إلا مجموعة من الإطارات الصغيرة..
-       ماذا يريد أن يقول لنا أحمد معلا..؟
ولكننا إذا نظرنا إلى داخل الإطارات الصغيرة لاستمعنا إلى حكاية عن فنان كان يعيش في وطنه، وكان هذا الفنان عاشقاً..
وللحكاية امتدادات قد تطول وتطول. وتبقى اللوحة شاهداً يتحدث بصمت كلما نظرنا إليها، ويقول أحمد معلا.. يرسم أحمد معلا..
مقدماً لنا واقعيته في التفكير.. رومانسية في الحلم وشاعريته في همومه وتعامله مع الرمز والموروث الفني من الحكايا الشعبية.
وفي إطار تعبيري في الأسلوب يقدم لنا الفنان تقنية لونية جميلة لا يغيب عن الناظر لأعماله تمكنه من هذه التقنية..
أما إلى أي حد يسمح للفنان أن يتجاوز الأطر التشكيلية التي تعودنا عليها؟
ربما كان لكل واحد منا جوابه الخاص عن هذا السؤال، ولكن تحديد هذه المسألة بدقة وضمن معايير أو مقاييس، يجعلنا نفقد هذه الخصوصية التي تميز العمل الإبداعي عن بقية الأعمال.
ولكنه يبقى ثابتاً. أن أي تطور حدث في مسيرة الفن إجمالاً وفي مسيرة الفن التشكيلي خصوصاً قادر على هذا التجاوز..
ومع هذا، لم يبتعد أحمد معلا عن الصياغات الواقعية كثيراً بل قدم لنا الواقع كما يراه ويشعر به وبخصوصية مميزة. لم يستعرض لنا مشاكلنا ولم يرسم لنا حلولاً لمشاكلنا. ولكننا في رؤيتنا لأعماله وشخوصه غير المكتملة. وكأنها تدعونا إليها أو تحتاجنا لتأخذ ملامحنا. نجد أنفسنا مع أحمد معلا نتحدث عن همومنا ومشاكلنا طويلاً وربما بشكل أكثر وضوحاً كإحدى شخصياته.
وأحمد معلا مستيقظ جداً، ويستمع إلى نبض الحياة الساكن حين يقوم الناس بواجب النوم المقدس ويحلمون.
رغم أنه لا يريد أن يجعل من نفسه أستاذاًَ يردد حكماً باتت قديمة. ورغم أنه لا يريد أن يبدو حكيماً. إلا أن لديه الكثير ليتحدث عنه، إنه يحاول أن يخلق بينه وبين كل مشاهد للوحاته سراً خاصاً ويبقى الحديث همساً. دون صراخ. دون تحد. فالمتلقي المعني ليس في موقع مجابهة مع أحمد معلا ولا يفترضه أحمد معلا جاهلاً وهو لذلك يحاوره ولا يقدم إليه حلولاً جاهزة.
بل يمكننا أن نقول إن أعمال أحمد معلا كانت دعوة يقدمها إلينا الفنان للحوار. إذ لا يوجد عند الفنان جمهور بلا ملامح، أو جمهور له شخصية واحدة. بحيث إذا اختلف الفنان معه سقط وإذا اتفق معه صعد سلم المجد..
كما يدرك الفنان أيضاً أنه لا يمكن تطوير المفاهيم الجمالية والحسية عند الجمهور بعامته بمجرد الإيعاز إليه من خلال العمل الفني. إذ لا بد من الحوار المستمر ولا بد من تجارب جديدة..
وبعد...
يبقي الفنان الشاب مساحات كبيرة فارغة من السطوح البيضاء وتبقى للسماء امتدادات للعبور. ويبقى الوطن، تبقى الغربة الملامح التي تميز وجه أحمد معلا. إنساناً. عاشقاً. وفناناً.
عبد النور أشيلجان