Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


أحمد معلا... يكرم سعد الله ونوس على طريقته...  

 

حوار خولة غازي:
كيف يحتفل أحمد معلا.... وبأي الأدوات سيعبر عن شكره وامتنانه للمبدع سعد الله ونوس.. هذا التساؤل رافقنا منذ إعلانه عن فكرة العرض..
وكانت المفاجأة.. احتفالية من نوع خاص ومتفرد جداً.. بطقوس.. وإشارات جديدة .. بنهر داخلي يضج حياة.. معلناً نهاية عالم المستنقعات.. مواجهاً العالم بلونين أبيض وأسود.. لا خيار بينهما..
بعد معرضه خوان ميرو بثلاثة أبعاد.. وبقايا إحتراقات إنسان.. ينصب أحمد معلا سعد الله ونوس بثلاثة أبعاد معلناً من خلاله.. وجع واحتراقات الإنسان المبدع.. لذلك جاءت تحيته لسعد الله ونوس مختلفة ومميزة ومتفردة..
وحول هذا التفرد وهذه التحية كان للاتحاد مع الفنان التشكيلي أحمد معلا هذا اللقاء:
·        هذا المعرض جاء تحت عنوان تحية لسعد الله ونوس.. وبالتالي يأتي ضمن مشروع فني بدأ فيه أحمد معلا بجو غرائبي؟!!..
لا... ليست غرائبية، هي بحث جديد، أو حداثوي، الجديد هو الرغبة في الخلاص من مجموعة أدوات للتشكيل معروفة وممجوجة، استهلكت اللوحة أو المنحوتة، فنحن كتشكيليين قادرين أن نعمل شيئاً جديداً، مع أنه بالإرث التشكيلي موجود فرص لانجازات متنوعة، وهذه المادة في هذا المعرض اصطلاحاً تسمى "تنصيبات" أي نبني فضاءً محدداً بالزمان والمكان، بحيث يستطيع المشاهد أن يمر من خلال اللوحات أو من فوقها.. وكان بالإمكان أن أعرض هذا العمل على الطريق بين دمشق وبيروت، ولكن الإمكانات المادية تلعب دوراً حساسا بالعمل.
·    عندما سألتك عن الغرائبية لم أكن فقط أقصد ما يقدمه أحمد معلا في معرضه هذا بل قصدت أيضاً شخصية أحمد معلا الباحثة دوماً عن الغريب و التميز و التفرد..
التفرد والتميز مطلبان هامان وهما شخصيتي كتشكيلي أو كفنان وأعمل من خلال هذين العنصرين.. أبحث عن الشيء الجديد والمختلف الذي أتمثله، ويمكن أن يكون اتجاهي عكس التيار ولكن بإحساس فني تشكيلي يتوجب علي خلق شيء جديد مختلف وخلق مساحات جديدة ليس على مستواي فقط.. بل أسعى لكي تكون تجربة تشكيلية واسعة، ليس من أجلي فقط.. بل من أجل الأجيال الفنية القادمة.. وهذا نابع من غيرتي على الحياة التشكيلية التي أسعى لأن تكون حياة تشكيلية حية وليست ميتة بعيدة عن النمطية والنموذجية وعندي رغبة عميقة أن
أفتح الآفاق.. مثلا عندي مشروعي الكبير أن أشتري قطعة أرض وأبني فيها ضريحاً للمتنبي..
ففرص التعبير التشكيلي هائلة وموجودة، ولكن الفنان التشكيلي يحتاج إلى إمكانيات تساعده بحاجة إلى مؤسسات من أجل أن يقدم عملاً تشكيلياً. وهي من ناحية أخرى فرصة لأن نقول شيئاً وسط هذا الصراع القائم على وجودنا أي بمعنى آخر أن نكون أهلاً لأن نكون عائشين ومؤهلين للوجود بالقرن الواحد والعشرين.
·        أفهم من كلامك أن أحمد معلا لم يعد يكفيه فضاء اللوحة الواحدة ببعدين فلذلك خرج منها وتحرك خارجها..؟
لم تعد تكفيني – اللوحة ببعدين "فقط" أيضاً لم يعد يكفيني عام (1997) ولم تعد تكفيني الحركة التشكيلية بسورية، ولم يعد يكفيني أن يرى أعمالي مجموعة ضيقة، صار لي هدف أوسع وأصبح عندي رغبة في الكشف عن قدراتنا كمجتمع.. كشعب.. كمجموعة من المفاهيم التي لديها الرغبة بالتحرر والانطلاق للأمام.. وأن نبرهن على كمية الوعي وكمية الموهبة التي نمتلكها..
·    أمام المتابع لمسيرة أحمد معلا التشكيلية نموذجان أو بالأحرى مشهدان.. مشهد ملون.. ويضج بالألوان ومشهد بالأبيض و الأسود فهل يا ترى الأبيض والأسود هو النسخة السالبة للمشهد الملون؟
لا.. لا يوجد نسخة سالبة.. الموضوع كالتالي: التجربة وطبيعتها تطلبت مستويات معينة من العمل يعني أنا من عام (1988) أرسم رسوماً بحجم صغير فيها هذا النوع من العمل.. ولكن الرغبة كانت في الرسم بمساحات أكبر.. وأشتغل عليها بحساسية معينة بإيقاع معين..
واختياري للأبيض والأسود هو رغبة لتقديم الأمور بصراحة شديدة.. أي الذهاب باتجاه اللوحة بجرأة كبيرة وعالية.. فأنا أشعر دائماً بأن الذي داخلي غير منته.. وأمامي دائماً حالات وطوابق علي اجتيازها بتحد وبشكل ندي..
·    في المقابلة التي أجرتها ماري الياس مع المبدع سعد الله ونوس ذكر بأن الرسم أو الخط اللوني ليس قادراً على حمل الهم الإنساني وتقديم رسالة أقوى من الرسالة التي تقدمها "اللغة" فاللغة في منظوره أقوى من الرسم..
          باحترام لكلام سعد الله ونوس، الكلام صحيح، ولكن ضمن إطار ما يسمى بمفاهيم الاتصال التقليدية للون، أما بمفاهيم علم الإشارات الوسيط هو الرسالة يعني اللوحة هي الرسالة وليس مافيها.
فهذا المعرض هو رسالة وليست التفاصيل الموجودة فيه. فعند محاولة قراءة الموجود في اللوحة.. فهذا لا يشكل رسالة ولكن الفعل التشكيلي نفسه هو الرسالة بحد ذاتها.. وهنا النقطة الحساسة..
·        برأيك ما هو سبب عزوف المشاهد عن حضور المعارض الفنية؟
الجواب ببساطة إن المشاهد مل.. من تفاوت المستويات.. التي أصبحت تقليدية ، باقة ورد.. وتجريد.. وعزف عن المجيء لأنه لم يعد يلقى الشيء الجديد.. والمشاهد إذا خرج من المعرض دون انطباع ودون أن يحمل شيئاً معه من قيمة وذكرى.. لا معنى لمجيئه..
وتجاربي الأخيرة موجودة في الذاكرة.. والذي حضر معارض لا يمكن أن ينساها بسهولة.. فهي مغروسة تماماً داخل كل من حضر معارضي.
·        ما هو السبب؟
لتفردها والصدق الموجود وبطريقة التعامل فيها.. فهي بحد ذاتها تشكل مجموعة أحداث غريبة عما هو مألوف.. من هنا تأخذ قيمتها .
·        لماذا اخترت التحية لسعد الله ونوس بالذات..؟
المعرض تحية لدأب المبدعين وصراعهم في سبيل مشروعهم مع الضنك واليأس والمرض والألم، الموت، من خلال سعد الله الإنسان.. وسعد الله ونوس يشكل نقطة وعي مؤلمة، أن الإنسان مرهون بحبال فظيعة، المرض سيقوده إلى الموت وبالتالي سيحرمنا من إمكانيات مبدع وأنا حساسيتي أقرب للذي يشابهني من نوعي .. أنا أعتبر نفسي مبدعاً، أنا سوف أغار عليه، وأشعر أننا نخسر سعد الله .. هو شخص مهم كثيراً، لذلك فضلت أن أعمل شيئاً... فهذا المعرض هو تعبير عن حبي وتقديري لإبداع هذا الكاتب، ويمكن أن نعتبر المعرض مجرد قبلة على خد سعد الله.. أو باقة ورد.. فسعد الله يشكل حتمية من خلال وجوده كمبدع في هذا البلد... وبالتالي سيصبح صورة لي... وأكون مسروراً عندما يقال لي أنت من بلد سعد الله ونوس.
·        لنفرض أنك موجود لوحدك أمام لوحاتك وأحببت أن يكون معك أحد... فمن تستحضر..!!
بكل بساطة أبو العلاء المعري .... وهو يقول:
كلما رأيت الجهل بالناس فاشياً تجاهلت حتى ظنوا أني جاهل.. والمتنبي.. وأبو تمام، وأبو النوّاس.. بودلير.. وهاملت.. فالرغبة عندي أن أبني ضريحاً كبيراً للمتنبي وشواهد الأصدقاء.. ولقد شاركت في بينالي القاهرة بشاهدتين لأدونيس شاهدة ولسعد الله ونوس شاهدة.
وسأكون خجولاً أمام هؤلاء العظماء.. وخائفاً من حكمهم على تجربتي هذه..
·        لاحظت في لوحاتك أن البشر المتواجدين على مستويات وهناك تدرج..
هذا البحث على المستوى التشكيلي يعني كمجموعة علاقات غرافيكية بين المساحات التي تتقاسمها اللوحة موجود تقريباً بكل اللوحات، أنتقل من محاولتي السابقة "سوريا أحمد معلا" عام (1988) الذي هو عبارة عن المشاهدات والأحاديث التي سمعتها قبل سفري إلى أوربا، فأنا حاولت إعادتها.. وكأني حملت سيفاً وهمياً واقتطعت جزءاً من بناية بلحظة من حياتها ونزعت القطع الأولى لأجل أن أرى ماذا يحدث بهذا الجزء من الثانية.. رأيت اثنين يتعاركان.. وأخرى تبكي وآخر يندب حظه..الخ فحاولت بهذه الطريقة أن أرصف مجموعة لحظات زمنية بمكان واحد...
والمستوى الثاني حاولت أن أعمل شيئاً آخر وضعت هذه الأشكال البشرية بمواقع من هذا النوع وألغيت التقطيعات وعملت نوعاً من المنظور الشبيه بالمنظور العربي القديم.. يعني ألغيت المنظور الأوربي الجديد، وهو موجود في إحدى لوحاتي بشكل واضح.. فيها مزيج مجموعة من المناظير منظور غربي ومنظور عربي.. وفي مناظير أخرى.. مناظير روحية، ومناظير نفسية.. وهناك مثال الحمامات الموجودة في إحدى لوحاتي "لا يقدمن أي شيء للوحة" إنما كنت بحالة تقمص وصلت فيها لدرجة الألم وقد شعرت بأنني يجب أن أهرب من اللوحة فلجأت إلى حل تشكيلي عملت أقواساً وهمية وخطوطاً ولكن لم أقدر أن أطلع من حالة التقمص فرسمت الحمامات.. وتجدينها بمكان آخر بحالة أم حاملة طفلاً وبجانبها غزال وهي حالات استراحة وخروج من الهم المفجع..
فيشعر المشاهد بأن هناك الكثير من القسوة التي فيها الكثير من السوداوية والكثير من التهكم.
·    هذه الشخوص رافقتك من أول لوحة إلى آخر لوحة.. أكيد كان هناك محاورة داخلية بينك وبينهم.. فما كان شعورها وشعورك أنت في النهاية ..!!
الأمر صار كالتالي إنني كنت متوازياً ومتفقاً مع نفسي وروحي أنا أعمل سبعة أيام وفي اليوم السابع اضطررت للتوقف قليلاً وعندما رجعت.. لم أرجع بنفس الإيقاع وكان الباقي جزءاً صغيراً من العمل.. ووقعت السكين من يدي خمس مرات أي بمعنى أنني فقدت فعلاً السيطرة القديمة وبذلت مجهوداً مختلفاً للعودة لحالة التقمص.
بالنسبة للمحاورة بيني وبين هذه الشخوص لم أنقطع عنها كانت ترافقني دائماً.. حتى إنني في إحدى لوحاتي الكبيرة كان الفراغ كبيراً.. لم أشأ أن أبدأ لوحتي من موقع تقليدي فاتصلت بسعد الله وقلت له: "حابب اسمع صوتك وبدي اسرق منك وأتقمص روحك قليلاً" وفعلاً كانت اللوحة وفيها كتلة كبيرة...
وأنا أعتبر نفسي في هذه الأعمال أنني قشرت بني آدم وتفرجت على ما في داخله خلينا نسميها ترسبات الحكايات والأحداث وهكذا طلع معي طحين أسود وهو الترسب الموجود في كل شخصية.
·        في معرضك هذا ترافقك موسيقى خاصة لمن هي ولماذا اخترت هذه الموسيقى وهل تخاف من أن تطغى على أعمالك..
دعيت صديقي "فواز جابر" لرؤية أعمالي وتركته يتأمل طويلاً.. وهو عنده مايكفي من ذخيرة روحية كافية، فالموسيقى ستلعب دوراً مرافقاً من أجل خلق حالة الطقس فقط لا غير..
ولا أخاف من طغيان الموسيقى.. لا يوجد أي مشكلة لأن التجربة قائمة... وإذا طغت الموسيقى لا يوجد عندي أي مانع يسرني أن نكسب موسيقى من موسيقي عظيم ويكون بذلك المعرض اكتشف موسيقياً.
وأحب أن أنوه إلى أننا في هذا المعرض كنا مجموعة عمل تعمل ليل نهار لتحويل "صالة أتاسي" للطقس المطلوب للمعرض وذلك بتغطية سطح الصالة باللون الأسود، وتغطية النوافذ باللون الأسود مع وضع رمل أسود... زرعنا فيه نبتاً أخضر بالإضافة إلى تكنيك الإضاءة الذي سيلعب دوراً رئيسياً في هذا المعرض..
هذا ما حدثنا عنه هذا الفنان الباحث دوماً عن الجديد، عن التفرد، وعن قطعة أرض ليبني فيها ضريحاً للمتنبي وشواهد للأصدقاء.. فهل سينفذ حلمه ونرى قبراً للمتنبي بطريقة أحمد معلا..
وتحية لأحمد معلا وأحلامه.. وتحية للمبدع الكبير سعد الله ونوس.