Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


ميرو وأحمد معلا... فن الطفولة وطفولة الفن  

02/03/2009

 

ميرو وأحمد معلا... فن الطفولة وطفولة الفن
انطوان المقدسي
 
المرح، الشفافية، سذاجة الطفولة، عفويتها، براءتها.... حب الحياة والشغف بها... تلك رسالة ميرو التي ينقلها إلينا أحمد معلا في دعابة فنية هي مجموعة أشياء، أشياء ألوان متحركة، كل منها قيمته بذاته قد لا تكون كبيرة. إلا أن مجموعها والمكان- الفسحة الذي عرضت فيه يؤلف كلاّ يدهشك عندما تقع عليه عينك، يخرجك من عالمك يعيدك فجأة إلى سنوات حياتك الأولى، يضعك في قلب عالم لكأنك الطفلة "أليس في بلاد العجائب"...
عيد للأطفال، يجدون فيه كل ما يحلمون به: ألواناً، مكعبات، بالونات، ومجسمات أخرى لا اسم لأي منها في معجمهم، لكل شيء حركته، إيقاعه، مذاقه وربما رائحته... ولم لا؟... يقترب منه الطفل، يلمسه. فيهرب منه، يطير، يبتعد... ويعود يداعب جسد الطفل وحواسه، يطلب منها أن تتحرك، تحيا، تعيش، تركض... ويقف الطفل مدهوشاً. قد خرج من ذاته ليعيش موسم البهجة، هذا الذي لا ينضب.
قلت: هي دعوة إلينا نحن الكبار- كبرت أجسادنا وترهلت عقولنا- لنطرح عنا، ولو لدقائق، الجد الذي يجمد في كل منا نسغ الحياة. فوجودنا كتلة صماء من المصالح، مهما كبرت تبقى صغيرة. ميرو، شاعر اللون الحار.
وأحمد معلا كذلك. فالعام الفائت، وفي صالة المركز الثقافي الفرنسي هذه – إياها- غمرنا بدفق من ألوانه، خلقت في كل منا، وأيضاً لدقائق، وجداً من نوع آخر، لعالم وحده الفن عنده مفتاح سره. ألوان، كل مرة أذكرها تبعث فيَّ دفء الحياة ونبضها القوي.
حياة أحمد معلا الفنية، على ما يبدو سلسلة مفاجئات كنت أتوقعها منه. فهو غني بالطفرات. إلا أني لم أكن أتصور أن لديه هذا الدفق من المجانية الذي أعاد إلي، ربما لثوان، طفولة كنت أعتقد أني ودعتها مرة ولكل مرة.
قال ميرو عام 1941 في غمار أزمة متعددة الأبعاد، ومعها ودع الدادائية والسريالية: "قررت أن أغتال فن التصوير". قلت: كل فنان يعيد القول هذا ضمناً وصراحةً مع كل منعطف من منعطفات حياته الفنية. ولكن كم من الفنانين استسلم كل منهم لروتين فنه. طلباً للربح السريع. هؤلاء حكم كل منهم على فنه بالشلل أقله لفترة من الزمن. وبالمقابل، فأنا لا أعرف ضمن حدود ما أعرف، فناناً عربياً، كأحمد معلا كرّس ما كرّس من وقته هو وطلابه، ومن العمل الدائب طوال أيام وليال ليعيد النظر في صالة المركز الثقافي الفرنسي، ألواناً وتنظيماً، كي تصير لأيام عالم الطفولة المسحور، لا لغرض سوى لهذا.
فالفن إما أن يكون لذاته، إما أن يكون للفن، أو لا يكون. فأنت إما روائي أو مسرحي، إما موسيقي أو فنان تشكيلي... وإما تاجر ضل الطريق. ولاتوسط بينهما.
أحمد معلا سريالي؟ أبداً. هو حتى اليوم غريب عن عالم السريالية. فعلامَ اختار (كرنفال أرلكان) التي وضعها ميرو عام1925، وقد كان يومها أندريه بريتون قد رأى فيه واحدا ًمن أركان مدرسته؟
في تلك الأيام وعلى الضبط عام 1926 وضع ميرو" الكلب ينبح للقمر"؟ ولقد تساءلت: علامَ صنفت هذه اللوحة سريالية، ولوحة (القمر) لعام 1948 صنفت شيئاً آخر؟ لا أدري. الذي يعنيني هو أن ميرو هو ميرو، أوصفوه في هذه المدرسة أم في تلك. وبوسعك أن تقيس المسافة الشاسعة التي تفصل بينه وبين سلفادور دالي زميله وصديقه، فلوحات هذا الأخير في تلك الفترة ترغمك على أن تصنفه مع الفرويديين والسرياليين. عالم ميرو شيء آخر، آخر بإطلاق المعنى: مجموعة أشياء قد تكون مبعثرة، خلفيتها اللونية تجعل منها كلاًّ متماسكاً.
وعلى العكس قد تتكاثر هذه الأشياء، تتراكم كما في (كرنفال أرلكان). ولكنها تحمل دوماً نكهة الطفولة التي عاشها ميرو على خلفية حياتية مأساوية حقاً.
أشياء (كرنفال أرلكان) هي التي جسدها أحمد معلا في دعابته، أضاف إليها بعداً ثالثاً كما يقول وأكثر من بعد. إنها أشياء ميرو وغيرها، فالفراغ عند معلا ملأ من الحركات والألوان والإيقاعات، بينها يستطيع الطفل أن يحيا، يمتع جسده كله، يركض، يمسك، يلهو ويمرح... فكن لدقيقة مع طفلك وما عداه فهي متعة لن تعيشها في حياتك مرتين.
قالت: علام لا تنقل هذه الدعابة إلى فسحة خاصة بها في الإدارات المكرسة لعروض الفن التشكيلي، فتشكل نموذجاً يحتذى ومتعة مستمرة للأطفال؟.
قلت لو تيسرت مثل هذه الفسحة لأحمد معلا لتصور شيئاً آخر، ربما ميرو غير الذي نعرف. إلا أني لا أرى فيما تسمينه إدارات مخصصة للفن التشكيلي مكاناً لمثل هذا المشروع. وإن وجد فلدينا من أجله شؤون وشجون كثيرة تضيق بها وبأمكنة كثيرة مثلها. بوسعنا أن نضع فيه الأضابير والوثائق الرسمية المكدسة بعضها فوق بعض الآخر. ولم لا نضع: فيها لوحات الفنانين التي يقضي عليها تدريجياً الغبار والعت وبقية الديدان؟ والأجدى أن نكرس في مكان كهذا مقاعد لموظفين ينتظر كل منهم منذ أشهر مقعداً كي يباشر عمله.
نحن يا سيدي أمة في طور التكوين. فكل شيء يتكاثر عندنا، البشر كالأشياء والحشرات. وعلينا أن نخطط كي نفيد من جهود كل إنسان. الصغار؟ سنهتم بهم في السنوات المقبلة.
ودعاباتهم لا تهتم بها كثيراً أمة فقيرة قال أحدهم: "نحن فقراء يا ترى بالمال أم بالعقل أم بالرجال"؟
وقال غيره: "الفن للفن ترف آخر".
قلت: في اعتقادي أن الفن للفن أجدى لنا من مخططات نسهر على وضعها ليالي طويلة وننساها فور انتهائها.
دعابات أحمد معلا أكثر فائدة بكثير من لوحات الفن الملتزم كلها.
هذه تكرهها نفسك حتى ولو كنت من المتحمسين للالتزام. أما تلك فتجبرك على أن تستمع بها مع أطفالك لدقائق.
الفكر، يا سيدي ترف، وهم مترفين، أو يمكن أن يوجد أدب أو توجد دراسات، أن توجد سياسة ويوجد اقتصاد وتوجد إدارات بدون فكر؟
فسلام على أحمد معلا الذي يلقننا درساً هو أجدى من كل الخطب عن الالتزام وأكثر فائدة!...