Ahmad Moualla
Painting| Workshop| Graphic| Photograph| | | Contact info | What's new?
 


د.أحمد معلا يعرض ميرو بثلاثة أبعاد في دمشق  

 

الأشكال الفراغية شكلت عالم اللوحات بالورق والأسلاك وألوان التراب!
 
دمشق- من أديب مخزوم:
في صالة المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، أقيم معرض جديد للفنان د.أحمد معلا، حمل عنوان "ميرو بثلاثة أبعاد".
المعرض طريف وجديد من نوعه في حياتنا الثقافية والفنية، وهو يشكل مدخلا ًللتعرف إلى أجواء عالم لوحات الفنان الأسباني خوان ميرو من خلال تجسيد الكتلة الملموسة أو الأشكال الفراغية بأبعادها الثلاثة والتي شكلت امتداداً حيوياً لعالم ميرو وهكذا أختصر أحمد معلا أو حاول اختصار تكوينات لوحات ميرو إلى أجزائها الفراغية المعبرة عن الكل أو إلى الشكل الملموس الذي أضفى مسحة من التفتيش عن تكاوين لأشكال حديثة تتلاءم مع أجواء اللوحة والمنحوتة الحديثة.
واستعان أحمد معلا بمجموعة من طلابه في كلية الفنون الجميلة في دمشق الذين قاموا بإنجاز الأشكال الكرتونية المجسمة تحت إشرافه حيث نفذت الأشكال الفراغية التي شكلت عالم لوحات ميرو، بالورق المقوى والأسلاك والمواد اللاصقة والألوان الترابية، وبذلك ظهرت عناصر المعرض في أبعادها الثلاثة المتحركة بفعل الهواء، أو بفعل تحريكها باليد، كونها معلقة بخيوط في الفراغ العالي الذي يشغل صالة المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، حيث برزت أشكال المعرض – وعلى حد تعبير بيرنار هوغونو مدير المركز- وكأنها عصافير وطائرات ورق وفراشات ومناطيد.. كما عمد أحمد معلا إلى إحضار مجموعة من المعاطف الحريرية الملونة، كل معطف بلون حيث أوعز إلى طلابه بضرورة ارتداء كل زائر من زوار المعرض لواحد من تلك المعاطف، وبذلك أدخل المشاهد كطرف في اللعبة الفنية لتجليات إيقاع الحركة، حيث يتجاوب لون المعطف مع الإيقاعات اللونية التي تشكل عالم المعرض، وتجوال المشاهد بين الأشكال المجسدة المعلقة في  البهو الكبير العالي يعطي ملامح التحولات في تغيير أجواء المعرض، وهكذا تتجدد الحركة والإيقاعات البصرية في المعرض مع كل زائر وتصل إلى مداها بتحريك الأشكال المعلقة في الفراغ من قبل بعض الطلاب وبإيعاز من أستاذهم أحمد معلا، وبذلك استعاد إيحاءات أعمال كالدر الذي أطلق تيار النحت المتحرك حين قدم عناصر متحركة اتبعت إيقاع تكاوين لوحات ميرو.
حول فكرة المعرض يقول أحمد معلا بأنه كان يرغب إدخال عناصر داخل مكان مغلق تنعدم فيه الجاذبية، ليسمح للمشاهد بالتحليق وسط مجموعة هائلة من الألوان التي تسبح حوله، لكن العوائق التكنولوجية وقفت في طريق تحقيق ما يحلم به، وهو يرى بأن البحث التشكيلي خارج إطار اللوحة لا يزال غائباً عن الحركة التشكيلية السورية ولهذا دفع طلابه إلى التخلص من الوسائل والطرق التقليدية والاتجاه نحو استخدام وسائل أخرى مغايرة للمألوف للوصول إلى رؤى بصرية جديدة ومبتكرة.
أحمد معلا من مواليد بانياس العام 1958 درس الفن في كلية الفنون الجميلة في دمشق وتابع تخصصه في المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس، وأقام معارض عدة خاصة، وحاز على جوائز تقديرية عالمية، عدة ويعمل حالياً في التدريس الفني في كلية الفنون الجميلة في دمشق.
كانت تجارب أحمد معلا الأولى التي عرضها في صالة المركز الثقافي في طرطوس مستوحاة من الأجواء التعبيرية والرمزية والخيالية، لذا يمكن اعتبارها بمثابة الخطوة الأولى في اتجاه تثبيت دعائم فنه المنطلق من واقع الواقع، في محاولة لبلورة واقع جديد أكثر ارتباطاً بإنسانية الإنسان، وهذا الاقتراب من واقع الواقع جعل فنه في مرحلة ما بعد الدراسة الأكاديمية في باريس يوازن ما بين الاتجاه العفوي لجهة معالجة اللون وإبراز الجماعات الإنسانية الخائفة والقلقة والمندفعة نحو بعضها البعض، فالجماعة البشرية في لوحاته التي ظهرت في تجاربه في الثمانينات هي محور الارتكاز، حيث لا فسحة أمل ولا خلاص للمجموعة الإنسانية المتراصة التي تلامس الحقائق الأكثر تفاعلاً مع الواقع الراهن القلق والمتفجر والمتأزم، لأن لوحته التعبيرية المرتبطة بقلق الجماعة الإنسانية كانت تعكس بالنسبة له شيئاً من التوتر والانفتاح على معاناة وهموم الحياة اليومية.
وحين عرض أحمد معلا مجموعة من لوحاته الزيتية في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق في العام 1993، ظهرت تحولات جذرية في تجربته، من مظاهر اللمسة التعبيرية المنتسبة إلى قلق الجماعة ووجعها إلى أجواء اللمسة اللونية التجريدية في محاولة للوصول إلى تشكيل جديد أكثر تحرراً وأشد غنائية، ضمن اتجاه ما يسود من اهتمامات الحركة الفنية العالمية.
هكذا أخذ يتفاعل مع رغبات اختصار الشكل الواقعي وتجريده والتعبير عن جنون العاطفة بضربات لونية انفعالية، تفجر الأحاسيس المدفونة بشطارة ومهارة، في محاولة لقطف نبض الاختزال والتبسيط وما يسمى بإيقاع اللون المتحرر الذي يدفع العين نحو تحسس موسيقى اللوحة وتقاسيمها المرئية.
وهذا يعني أنه في تجاربه الزيتية الجديدة أصبح يتفاعل مع إيقاعات اللمسة التجريدية الغنائية المفتوحة على تداعيات أو حركة الانفعالات الداخلية كأنه في لوحاته الجديدة يتقدم من التجريد بعد أن أضناه التجوال بين جرح وجرح ونزيف ونزيف، فأخذت لوحاته الجديدة معنى آخر من الجرح والنزيف، إنه اللون التجريدي المحلي الباقي بين العين والذاكرة. لذا يمكن القول أن بدايات انطلاقته التجريدية جعلته يكتشف أسرار تنويعات المدلولات المحلية عبر هذا البريق اللوني الاحتفالي المفتوح على نورانية الشرق.
ورغم اتجاهه نحو التجريد الخالص في لوحاته الأخير، إلا أنه في بعضها الآخر يظل عند ضفاف الشكل، حيث يقترب من واقع لوني يشير في بعض الأحيان إلى وجود أشخاص في اللوحة كما يمكن القول أن أحمد معلا الذي عايش في باريس أزمة الحداثة، أصبح يفتش بعد عودته من عاصمة الفن، عن أجوبة تكبر في تجربته الفنية مع إحساسه المتفاعل مع إشعاعات اللون البيئوي وهذا ما جعله يكتشف شيئاً فشيئاً أسرار تنويعات المدلولات اللونية المحلية المنتشية بنبض الذات وتطلعات التطور.
ومن أجل ذلك اعتمد أحمد معلا في لوحاته الزيتية الأخيرة مبدأ الرسم والتلوين التلقائي والعفوي والعاطفي، أو مبدأ الانصياع لانفعالاته أكثر من الاهتمام بتصوير الأشكال المألوفة في الفضاء الواقعي، وهذا ما أوصله في نهاية المطاف إلى التجريد الخالص المتفاعل مع إشعاعات النور المحلي، رغم أنه في بعض لوحاته القليلة الأخيرة، يجسد كما أشرنا، أجواء الحضور والغياب للشكل الإنساني.